الخميس 4 يناير 2024
كان سحب الولايات المتحدة حاملات الطائرات الأكبر في اسطولها البحري والعالم من شرق المتوسط ” متعمداً ” وبناء على معلومات استخبارتية وتسريبات من بعض عناصر الطيف الإسرائيلي المتباين في الحرب على قطاع غزة الفلسطيني تبعه انسحاب إسرائيلي من شمالي قطاع غزة ولم يقرأ أحد تتابع وتقارب الخطوتين والارتباط الوثيق بينهما.
فقد كانت الخطوة التالية واضحة
توجيه وإعادة تمركز القوات المنسحبة من شمالي قطاع غزة في شمال إسرائيل على الحدود مع جنوب لبنان وتأمين حاملة الطائرات الأمريكية من أي رد فعل متهور من حزب الله لأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تغامر بأكبر حاملة طائرات لديها في ما ستقدم عليه إسرائيل في لبنان كعملية استباقية “استهداف ” لشخصيات من حماس أو حزب الله داخل لبنان يليه رد فعل من حزب الله يعقبه اجتياح “دفاعاً عن النفس” ضد حزب الله تصعيد من أنصار الله في اليمن رد على الهجمات على جنوب لبنان والعمليات في قطاع غزة والحصار والقتل يعقبه تدخل أمريكي مباشر في لبنان لتدمير كافة تسليح حزب الله وتوسيع منطقة الاحتلال من مزارع في جنوب لبنان إلى احتلال الجنوب اللبناني وجعله منطقه عازلة دون مقاومة بعد تدمير آلة الحرب لدى حزب الله وبذلك تكون إسرائيل قد ضمنت المضي في مشاريعها الإقتصادية مع السعودية والهند دون أي منغصات أو إزعاج فقد قضت على تسليح حماس الذي تراكم عبر عشرون عاما ودمرت القطاع بالكامل وجعلته غير قابل للحياة وعلى سكانه الهجرة خارجه إلى “مصر” أو عبر مصر إلى دول الدعم لغزة وحماس وهو المخطط الذي كادت تضحي به إسرائيل من أجل صفقة التطبيع مع السعودية.
لكن إسرائيل غيرت المخطط تكتيكياً بإجبار الولات المتحدة الغير مستعده حالياً للدخول في مواجهة إقليمية مع إيران التي ربما أكملت تصنيع المفاعل النووي تقريبا والمدعومة بالصين وروسيا معاً والتي تمتد أجنحتها لتسيطر على الخليج الفارسي ومدخله عند “مضيق هرمز” والبحر الأحمر ومدخله عند ” مضيق باب المندب” وشرق المتوسط عند مدخل البحر المتوسط للبحر الأسود “عناصر حزب الله” بأن تنفذ إسرائيل عملية اغتيال داخل حدود لبنان جنوب العاصمة بيروت وتليها مباشرة عملية تفجير كبيرة في محافظة كرمان بإيران لم تتبنها إسرائيل حتى الأن.
لكن المشهد العام بالشرق الأوسط باتت إسرائيل تحركه وفق خطتها التي لم تكن تحلم بمبرر لتنفيذها أكبر مما حدث في 7 أكتوبر 2023م وما أطلقت عليه حماس “طوفان الأقصى” وهي الفرصة التي لن تضيعها إسرائيل سواء كان على رأس الحكومة فيها نتنياهو أو غيره فسياسات الكيان مكتوبة والحكومات هي تفاعل مع الشارع الإسرائيلي فقط بينما المخططات ثابته وكذلك الحال في الولايات المتحدة سياسات الولايات المتحدة في تبني إسرائيل وحمايتها لا يمكن أن تتغير لكن وجود نتنياهو وما ينتظره من محاكمات فور ايقاف الحرب يدفعه إلى القفز للأمام أقصى مسافة ممكنه وهو ما أربك السياسة الأمريكية وصانعي القرار فيها.
استمرار تواجد القوات الإسرائيلية في غزة المدمرة هو استنزاف دون جدوى في أرض مدمرة وفرصة للمقاومة في غزة لصناعة بطولات حيث أن حروب الجيوش في الأراضي المدمرة لصالح الأفراد المختفين خلف الركام إذ يمكن لفرد واحد من المقاومة مختبئ ولدية دانات ” أر بي جي ” كافية أن يدمر سرية دبابات كاملة وإذا ما كانوا عدة أفراد يمكنه تدمير كتيبة دبابات كاملة بأقل التكاليف لذلك انسحبت إسرائيل من شمال قطاع غزة لتوقف هذا الهدر الغير مبرر لمعداتها والأفراد ولتوجه هذه القوات للشمال في أرض مواجهة مفتوحة جنوب لبنان.
لكنها لم ولن تنسحب من جنوب القطاع بل ستزيد من عملياتها وتواجد قواتها فيه أملا في دفع سكان غزة المتكتلين في مساحة ضيقة قرب الحدود المصرية لدفعهم مع الجوع والعطش إلى عبور الحدود المصرية وهو المخطط الذي صيغ سابقا باسم “صفقة القرن” وتم التوقف عن المضي في تنفيذه لوضوح الموقف المصري مع القيادة الحالية لكن ظروف ما بعد السابع من أكتوبر وفرت لهذا المخطط فرصة لا يمكن إهدارها للتنفيذ.
ما يربك الولايات المتحدة في هذا التهور الكبير لنتنياهو هو إيران لذلك غير نتنياهو تكتيكاته إلى الداخل اللبناني وعمق إيران ذاتها لشعل حرباً إقليمية يتولى هو تدمير ترسانة حماس وحزب الله بينما يطلق يد الولايات المتحدة لتدمير ترسانة أنصار الله في اليمن وتبدأ المواجهة المباشرة مع إيران وهي حسابات ربما تكون غير دقيقة لكنها ما يجول في نفس وعقل نتنياهو حالياً وكاذا لونجح ما يخطط له نتنياهو بتوريط أمريكا معه رغما عنها في المخطط.
يكون نتنياهو قد أمن دولة الاحتلال من حماس الموجودة معه على الأرض وحزب الله الموجود إلى شماله بينما أكملت الولايات المتحدة وما ستشكله من تحالف دولي القضاء على أنصار الله في اليمن وتدمير الترسانة الإيرانية والتهديد الإيراني لأسرائيل إلى الأبد.
ولو حدث ما يخطط له نتنياهو لأصبحنا أمام خريطة شرق أوسط جديدة قديمه وعودة لعالم القطب الواحد وسيطرة مطلقة للواليات المتحدة على منطقة الشرق الأوسط كاملاً كما كان بعد حرب الخليخ التي استغلت فيه الولايات المتحدة التصرف المتهور من القيادة العراقية باحتلال أراضي دولة الكويت.
الأيام القادمة ستثبت عمق هذه القراءة للموقف أو تنسفه لكننا يجب أن نفكر خارج الصندوق وربما داخله فالوضع خطير في منطقة الشرق الأوسط وكل الاحتمالات مفتوحة.