الأثنين 05 فبراير 2024
كان للصورة التي رسمتها إسرائيل خلال عقود أنها الجيش الذي لا يقهر وقبتها الحديدية وترسانتها من الدبابات والمدرعات وأسطولها من الطائرات والسفن والبوارج الحربية ومخابراتها العسكرية والمدنية وأجهزتها الأمنية والدعم المباشر من كبرى الجيوش في العالم ما كان من أثر.
لكن دخول عناصر من المقاومة الفلسطينية بأدوات بدائية إلى السياج الفاصل بين غزة ومحيطها الإسرائيلي واختراق وتدمير مناطق كثيرة في جدار العزل المدعوم بالمجسات والحساسات الرقمية وكاميرات المراقبة ما أحدث هزة وصدمة كبيرة للكيان وداعمية استمرت ليوم كامل وهؤلاء الأفراد بما بين أيديهم من أدوات قتال بدائية ووسائل نقل غاية في القدم والتهالك حتى أنهم كانوا ينقلون المحتجزين الإسرائيلين من مناطق توغلهم على دراجات نارية مزودة بصناديق معدنية قديمة ورغم ذلك أتموا المهمة التي خططوا لها وعاد معظمهم إلى القطاع ” نتفق أو نتختلف مع ما قاموا به” ليس وقت التقييم وإبداء الرأي في ذلك فالقتل والتدمير تدور آلته على القطاع.
لكن ما حدث كان صدمة للكيان وداعمية وكشف لعورات الكيان وجيشه وتسليحه وهدم لمعبد التكنولوجيا العسكرية المتطورة الذي تقف إسرائيل والولايات المتحدة والغرب داخله يهددون باقي دول العالم، أما ما حدث بعد ذلك بدء من مساء “السابع من أكتوبر” كان أكثر كشفا لعورات الكيان وجيشه وآلته العسكرية.
ما يحدث في غزة ليس حرب نظامية يتقاتل فيها جيشين نظاميين ولا حتى جيش في مواجهة قوات عسكرية منقسمة على جيش دولتها وتمتلك طائرات ومدرعات وقوات عسكرية ودفاع جوي.
بل إن ما يحدث في غزة ليس حرب شوارع حتى لأنه لو كان حرب شوارع ما استمرت إسرائيل فيه حتى اليوم، أما لماذا ما يحدث في غزة ليس حرب شوارع ؟
لأنه لو كان حرب شوارع لكان كل فلسطيني في غزة يمتلك سلاح ومخزون من القنابل اليدوية وبعض القذائف المضادة للدروع ولأصبح حينها التقدم للجيش النظامي وسط ذلك مستحيلا ومدمرا للجيش النظامي معدات وأفراد، والسؤال ما دامت حماس وكتائبها كانت “تنتوي” القيام بما قامت به لما لم تأهل مجتمع غزة لمثل ذلك وهو ما سيكون ضمانتها الكبيرة لمواجهة جيش الإحتلال.
والإجابة بسيطة لأنه لو كان كل من يعيش على أرض غزة يعرفون حجم تسليح كتائب المقاومة وأماكن الأنفاق والفتحات الرئيسية لكل نفق وفتحات التمويه وعدد الأفراد في كل نفق وكمية الذخيرة بكل نفق وأماكن غرف القيادة في بعض الأنفاق وطرق الاتصال بين قيادات المجموعة في الأنفاق، لحققت إسرائيل أهداف حربها مع نهاية الأسبوع الثاني من الاجتياح البري للقطاع.
تنظيم حماس يتشابه وربما يتطابق في الفكر والاعتقاد مع جماعة الإخوان المسلمين ليس كل من يحمل فكر الجماعة ومعتقداتها عضو في التنظيم وكلما كان التنظيم أقل عدادا وأعلى كفاءة كان خيراً من كثرة العدد وترهل السيطرة والقيادة وكلما كانت البيانات عن التنظيم مجهولة كان الترويع به أكبر، ثم كيف تأمن “الخيانة” ولأنه على مدار الصراع بين مواطني فلسطين والمحتل منذ زرع في أرضهم قصص مليئة بالخونة والجواسيس فقد كانت السرية والمحدودية في العدد هي الطرق الأكثر أمنا للتنظيم وكتائبه من المجاهدين.
والدليل أن استمرار الحرب لأكثر من 120 يوما دون أن تحقق اسرائيل أي تقدم فيما أعلنته من أهداف سوى أنها من السماء وبطائرات هي الأحدث في العالم وذخائر وقنابل الدعم الأمريكي والغربي دمرت أكثر من 65% من القطاع تدميرا كاملا “نسف” رغم أن قواتها موجودة بالشوارع في كامل قطاع غزة وتأثر مواطنين من القطاع وتعرضهم لكل أشكال التعذيب والقهر حتى تستخرج منهم البيانات والمعلومات لكنها لا تنجح في ذلك ليس لأن معظمهم بعد كل هذا الدمار والقتل ينبغي أن يرفضون الخيانة للمقاومة والبلد بل لأن معظمهم إن لم يكونوا جميعا لا يملكون معلومات لأن كتائب المقاومة معلوماتها وأسرار أنفاقها وأماكن القيادات أسرار لا يعرفها حتى بعض المنضمين تحت لواء هذه الكتائب.
وما كان من محاولة لتحرير أحد المحتجزين الاسرائيلين في جتوب غزة وانتهت المحاولة بأن قتله الكيان قبل أن يحرره في مكان احتجازه إلا خيانة من ضعيف وقع في أيدي قوات الاحتلال ومع التعذيب أفشى المعلومة.
إذن إسرائيل تقاتل فقط عدد محدد من العناصر يخرجون من فواهات تهويه لبعض الأنفاق ويعودون إليها ولو أنهم ليسوا قلائل في العدد لكان أثر عملياتهم مدويا في قوات إسرائيل التي تتحرك في أفواج من الدبابات والجرافات وناقلات الجند بين المباني في مسير معدة بعد أخرى وهو خطأ عسكري كبير من قوات الاحتلال لو أن هذه حرب شوارع فيمكن لعدد عشرة أفراد فقط أن يدمروا كل هذه المعدات بضرب الأولى بقذيفة مضادة للدروع والثانية وبعدها كما كان يفعل المقاومون للجيش الإسرائيل في السويس في حرب “السادس من أكتوبر” يقفزون فوق الدبابة ويرفعون غطاء البرج ويسقطون القنابل على من فيها ثم يتولى حاملي البنادق والرشاشات تصفية من يخرج حيا، ولأن عناصر الكتائب محدودون في العدد يكون استهدافهم لمركبة أو دبابة واحدة أو ناقلة جند.
إذن نحن لسنا أمام حرب شوارع حتى ومع ذلك يفشل الجيش الذي لا يقهر بكل الدعم الأمريكي والغربي في تحقيق أهدافه حتى اليوم. ” السبب هو عدم حدوث خيانات ووشايه” للعناصر المحدودين بكتائب المقاومة بغزة.
السؤال : هل يمكن أن تستمر هذه الحرب على غزة كما الحرب في أوكرانيا عامين وتبقى المقاومة قادرة على الاستمرار؟
الإجابة : لا يمكن…. لا مخذونات ذخائر ولا عناصر مقاومة يمكنهم ذلك.
السؤال الثاني : اذا ما طل زمن العمليات في غزة والتجويع والقتل للمدنيين هل تبقى معلومات وبيانات الكتائب مجهولة للقوات المحتلة للقطاع ؟
الإجابة : لا يمكن …. ستحدث الخيانة حتما مع طول الفترة وانقطاع الأمل وهذا ما يلعب عليه نتنياهو وحكومته.
السؤال هل اعتقادات الغرب وإسرائيل عن شبكة الأنفاق صحيحة؟
الإجابة : تماما خاطئة فهندسيا لا يمكن للمقاومة أن تنشأ شبكة أنفاق سرية تحت القطاع بالكامل وإلا ما كانت أنفاق سرية … شبكة الإنفاق في قطاع غزة تشبه سراديب الفئران في الصحراء يكون لكل فأر نفق طوله أمتار بدايته باتجاه فتحة نهاية نفق الفأر السابق له وفتحة نهايتها باتجاه بداية نفق الفأر التالي له وبين الفتحتين مسافة أضعاف طول النفق من الأرض العادية وغالبا ما تكون بها كدي رملية أو أعشاب صحراوية تغطي الحركة على الأرض بحيث يمكن للسرب أن ينسحب من الأنفاق التي يكتشفها الباحثين عنهم بسرعة وسهولة إلى التالي ويرحل التالي إلى ما بعده وهكذا أما أن يتخيل العسكريين في العالم أن غزة تحتها شبكة أنفاق تشبه شبكات المترو في لندن فهذا شأنهم لكنه على الواقع مستحيلاً.
لذلك تسعى إسرائيل بكل قوة إلى توسيع السراع في المنطقة حتى تتمكن من تنفيذ ذلك عبر سياسة الكل خاسر بدء من داعمهم الأساسي الولايات المتحدة نفسها بغرسها في حرب مع اليمنين وقادة إسرائيل يعلمون أن طبوغرافيا اليمن لا تمكن أحد من الانتصار وهي بيئة مستنقع للجيوش كلها جبال وهضاب صخرية لا مكان لنصر وثبات وما دامت طبول الحرب مستعرة بالمنطقة فإسرائيل ستواصل حرب الإبادة الجماعية على الفلسطينين في غزة حتى تحدث الخيانة أو يتم التهجير للبحر أو سيناء.
لو كان في غزة حرب شوارع لما استطاع جيش اسرائيل الدخول حتى حدود رفح بقطاع غزة.